سورة يس - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


قوله تعالى: {وجاءَ مِنْ أقصى المدينة رَجُلٌ يسِعى} واسمه حبيب النجّار، وكان مجذوماً، وكان قد آمن بالرُّسل لمَّا وردوا القرية، وكان منزلهُ عند أقصى باب من أبواب القرية، فلمَّا بلغه أنَّ قومه قد كذَّبوا الرُّسل وهمُّوا بقتلهم، جاء يسعى، فقال ما قصَّه اللهُ علينا إلى قوله: {وهم مُهْتَدون} يعني الرُّسل، فأخذوه ورفعوه إلى الملِك. فقال له الملِك: أفأنت تَتبعهم؟ فقال: {وماليَ} أسكن هذه الياء حمزة، وخلف، ويعقوب {لا أعبُدُ الذي فَطَرني} أي: وأيُّ شيء لي إِذا لم أعبُد خالقي {وإليه تُرْجَعونَ} عند البعث، فيَجزِيكم بكُفركم؟!
فإن قيل: لِمَ أضاف الفِطرةَ إلى نفسه والبعثَ إليهم وهو يَعلم أنَّ الله قد فطَرهم جميعاً كما يَبعثهم جميعاً؟
فالجواب: أن إيجاد الله تعالى نِعمة يوجب الشُّكر، والبعثُ في القيامة وعيدٌ يوجب الزَّجر، فكانت إِضافةُ النِّعمة إِلى نفسه أظهرَ في الشُّكر، وإِضافةُ البعث إِلى الكافر أبلغ في الزَّجر.
ثم أَنكر عبادة الأصنام بقوله: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دونه آلهة}.
قوله تعالى: {لا تُغْنِ عنِّي شفاعتُهم} يعني أنه لا شفاعة لهم فتُغْني، {ولا يُنْقِذونِ} أثبت ها هنا الياء في الحالين يعقوب، وورش. والمعنى: لا يخلِّصوني من ذلك المكروه. {إنِّي إِذاً} فتح هذه الياء نافع، وأبو عمرو.
قوله تعالى: {إنّي آمنتُ بربِّكم} فتح هذه الياء أهل الحجاز وأبو عمرو.
وفيمن خاطبهم بإيمانه قولان:
أحدهما: أنه خاطب قومه بذلك، قاله ابن مسعود.
والثاني: أنه خاطب الرُّسل.
ومعنى {فاسمَعونِ} اشهَدوا لي بذلك، قاله الفراء. وقال أبو عبيدة: المعنى: فاسمَعوا منِّي. وأثبت ياء {فاسمَعوني} في الحالين يعقوب. قال ابن مسعود: لمَّا خاطب قومه بذلك، وطئوه بأرجُلهم. وقال السدي: رمَوْه بالحجارة، وهو يقول: اللهّم اهْدِ قَومي.
قوله تعالى: {قيل ادخُلِ الجَنَّة} لمَّا قتلوه فلقي الله، قيل له: {ادخُل الجَنَّة}، فلمَّا دخلها {قال ياليت قَوْمِي يَعْلَمونَ بِما غَفَرَ لي ربِّي}، وفي ما قولان:
أحدهما: أنها مع {غَفَرَ} في موضع مصدر؛ والمعنى: بغُفران الله لي.
والثاني: أنها بمعنى الذي، فالمعنى: ليتهم يَعلمون بالذي غَفَرَ لي به ربِّي فيؤمنون، فنصحهم حياً وميتاً.
فلمَّا قتلوه عجَّل اللهُ لهم العذاب، فذلك قوله تعالى: {وما أَنزَلْنا على قومه} يعنى قوم حبيب {مِنْ بَعْدِه} أي: مِنْ بَعْدِ قتله {مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ} يعني الملائكة، أي: لم ينتصر منهم بجُند من السَّماء {وما كُنَّا} نُنْزِلهم على الأُمم إذا أهلكناهم. وقيل: المعنى: ما بعثْنا إليهم بعده نبيّاً، ولا أنزلنا عليهم رسالة.
{إنْ كانت إلاَّ صيحةً واحدةً} قال المفسِّرون: أخذ جبريل عليه السلام بِعِضَادَتَي باب المدينة، ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم ميّتون لا يُسْمَع لهم حِسٌّ، كالنَّار إِذا طُفئت، وهو قوله تعالى: {فإذا هم خامدون} أي: ساكنون كهيأة الرَّماد الخامد.


قوله تعالى: {يا حَسْرَةً على العِبَاد} قال الفراء: المعنى: يالها حَسْرَة على العباد. وقال الزجاج: الحَسْرَةُ أن يَرْكَبَ الإِنسان من شِدَّة الندم مالا نهاية له حتى يبقى قلبُه حَسِيراً. وفي المتحسِّر على العباد قولان:
أحدهما: أنهم يتحسَّرون على أنفسهم، قال مجاهد والزجاج: استهزاؤهم بالرُّسل كان حسرةً عليهم في الآخرة. وقال أبو العالية: لمَّا عايَنوا العذاب، قالوا: يا حسرتنا على المرسَلين، كيف لنا بهمُ الآن حتى نؤمِن.
والثاني: أنه تحسُّر الملائكة على العباد في تكذيبهم الرُّسل، قاله الضحاك.
ثم خوَّف كُفَّاَر مكَّة فقال: {ألم يَرَوا} أي: ألم يَعْلَموا {كم أهلكْنا قبلهم من القرون} فيعتبروا ويخافوا أن نعجِّل لهم الهلاك كما عجِّل لمن أُهلك قبلهم ولم يرجعوا إلى الدنيا؟!. قال الفراء: وأَلِف {أنَّهم} مفتوحة، لأن المعنى: ألم يَرَوا أنَّهم إِليهم لا يرجعون. وقد كسرها الحسن، كأنه لم يُوقِع الرؤية على كم، فلم يوقِعها على {أنّ}، وإِن استأنفتَها كسرتَها.
قوله تعالى: {وإِنْ كُلٌّ لَمَا} وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة: {لَمَّا} بالتشديد، {جميعٌ لدينا مُحضَرون} أي: إِن الأُمم يُحضَرون يوم القيامة، فيجازَون بأعمالهم. قال الزجاج: من قرأ {لَمَا} بالتخفيف، ف {ما} زائدة مؤكِّدة، والمعنى: وإِنْ كُلُّ لَجميعٌ، ومعناه: وما كُلُّ إِلاَّ جميع لدينا مُحضَرون. ومن قرأ {لَمَّا} بالتشديد، فهو بمعنى إلاَّ تقول: سألتُكَ لَمَّا فعلتَ وإلاَّ فعلتَ.
{وآيةٌ لهم الأرضُ المَيْتَةُ} وقرأ نافع: {المَيِّتَةُ} بالتشديد، وهو الأصل، والتخفيف أكثر، وكلاهما جائز؛ {وآيةٌ} مرفوعة بالابتداء، وخبرها {لهم}، ويجوز أن يكون خبرها {الأرضُ الميتةُ}؛ والمعنى: وعلامةٌ تدلُّهم على التوحيد وأنَّ الله يَبْعَثُ الموتى أحياءً الأرضُ الميتةُ.
قوله تعالى: {فَمِنْهُ يأكلُونَ} يعنى ما يُقتات من الحبوب.
قوله تعالى: {وَجْعَلْنَا فيها} وقوله: {وفجَّرنا فيها} يعني في الأرض.
قوله تعالى: {ليأكُلوا مِنَ ثَمَره} يعني النخيل، وهو في اللفظ مذكَّر.
{وما عَمِلَتْهُ أيديهم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {عَمِلَتْهُ} بهاءٍ. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {عَمِلَتْ} بغير هاءٍ. والهاء مُثْبَتة في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة. ومحذوفة من مصاحف أهل الكوفة. قال الزجاج: وضع ما خفض؛ والمعنى: ليأكُلوا من ثمره وممَّا عملَتْه أيديهم؛ ويجوز أن يكون ما نفياً؛ المعنى: ولم تعمله أيديهم، وهذا على قراءه من أثبت الهاء. فإذا حُذفت الهاءُ، فالاختيار أن تكون ما في موضع خفض. وتكون بمعنى الذي فَيحْسُن حذف الهاء. وكذلك ذكر المفسِّرون القولين. فمن قال بالأول، قال: ليأكُلوا ممَّا عملتْ أيديهم، وهو الغُروس والحُروث التي تعبوا فيها، ومن قال بالثاني قال: ليأكُلوا ما ليس مِنْ صُنعهم، ولكنه مِنْ فِعل الحق عز وجل {أفلا يشكُرون} الله تعالى فيوحِّدوه؟!.
ثم نزَّه نفسه بقوله: {سبحانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّها} يعني الأجناس كلَّها {ممّا تُنْبِتُ الأرضُ} من الفواكهة والحبوب وغير ذلك {ومِنْ أَنُفسهم} وهم الذكور والإِناث {وممَّا لا يَعْلَمُونَ} من دوابِّ البَرِّ والبحر وغير ذلك ممّا لم يَقِفوا على عِلْمه.


قوله تعالى: {وآيةٌ له الليلُ نَسْلَخُ منه النَّهار} أي: وعلامة لهم تَدُلُّ على توحيدنا وقدرتنا الليلُ نَسلخ منه النهار؛ قال الفراء: نرمي بالنهار عنه. و{منه} بمعنى عنه. وقال أبو عبيدة: نُخْرِجُ منه النهار ونميِّزه منه فتجيء الظُّلمة، قال الماوردي: وذلك أنّ ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء، فإذا خرج منه أظلم. وقوله: {فإذا هم مُظْلِمونَ} أي: داخلون في الظَّلام.
{والشَّمْسُ} أي: وآيةٌ لهم الشمس {تَجري لِمُسْتَقَرٍّ لها} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: إلى موضع قرارها؛ روى أبو ذر قال سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: {لِمُسْتَقَرٍّ لها} قال: «مُسْتَقَرُّها تحت العَرْش» وقال: «إِنَّها تذهب حتى تسجُد بين يَدَي ربِّها، فتَستأذِنُ في الطُّلوع، فيؤذَنُ لها».
والثاني: أنَّ مُسْتَقَرَّها مغربها لا تجاوزُه ولا تقصر عنه، قاله مجاهد.
والثالث: لِوقت واحدٍ لا تعدُوه، قاله قتاده. وقال مقاتل: لِوقت لها إِلى يوم القيامة.
والرابع: تسير في منازلها حتى تنتهيَ إلى مُسْتَقَرِّها الذي لا تجاوزُه، ثم ترجِع إِلى أوَّل منازلها، قاله ابن السائب. وقال ابن قتيبة: إلى مُسْتَقَرٍ لها، ومُسْتَقَرُّها: أقصى منازلها في الغُروب، وذلك لأنها لا تزال تتقدَّم إِلى أقصى مغاربها، ثم ترجع.
وقرأ ابن مسعود، وعكرمة، وعليّ بن الحسين، والشيزري عن الكسائي: {لا مُسْتَقَرَّ لها} والمعنى: أنها تجري أبداً، لا تثبُت في مكان واحد.
قوله تعالى: {ذلك} الذي ذُكِر من أمر الليل والنهار والشمس {تقديرُ العزيزِ} في مُلكه {العليمِ} بما يقدِّر.
قوله تعالى: {والقَمَرَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {والقَمَرُ} بالرفع. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: و{القَمَرَ} بالنصب. قال الزجاج: من قرأ بالنصب فالمعنى: وقدَّرْنا القمر قدَّرناه منازل. ومن قرأ بالرفع فالمعنى: وآيةٌ لهم القمرُ قدَّرْناه، ويجوز أن يكون على الابتداء، و{قدَّرْناه} الخبر.
قال المفسِّرون: ومنازلُ القمر ثمانيةٌ وعشرون منزِلاً، ينزِلها من أوَّل الشَّهر إلى آخره، وقد سمَّيناها في سورة [يونس: 5]، فإذا صار إلى آخر منازله دَقَّ فعاد كالعُرجون، وهو عود العِذْق الذي تركته الشماريخ فإذا جفَّ وقَدُمُ يشبه الهلال. قال ابن قتيبة: و {القديم} هاهنا: الذي قد أتى عليه حَوْلٌ، شُبِّه القمرُ آخِر لَيلةٍ يطلعُ به. قال الزجاج: وتقدير {عُرجون}: فُعْلون من الانعراج.
وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، والضحاك، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: {كالعِرْجَوْن} بكسر العين.
قوله تعالى: {لا الشَّمس ينبغي لها أن تُدْرِك القمر} فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنهما إذا اجتمعا في السماء، كان أحدهما بين يَدَي الآخر، فلا يشتركان في المنازل، قاله ابن عباس.
والثاني: لا يُشْبِه ضوءُ أحدهما ضوءُ الآخر، قاله مجاهد.
والثالث: لا يجمتع ضوءُ أحدهما مع الآخر، فإذا جاء سُلطان أحدهما ذهب سُلطان الآخر، قاله قتادة؛ فيكون وجه الحكمة في ذلك أنه لو اتصل الضوء لم يُعرف الليل.
قوله تعالى: {ولا الليَّلُ سابِقُ النَّهارِ} وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، وعاصم الجحدري: {سابِقُ} بالتنوين {النَّهارَ} بالنصب، وفيه قولان:
أحدهما: لا يَتقدَّم الليلُ قبل استكمال النهار.
والثاني: لا يأتي ليل بعد ليل من غير نهارٍ فاصلٍ بيهما. وباقي الآية مفسَّر في سورة [الأنبياء: 33].

1 | 2 | 3 | 4 | 5